الأربعاء، 4 أغسطس 2010

كيتس.. الشاعر الإنجليزي الذي تألم حتى الموت ב،~











تمر اليوم ذكري ميلاد الشاعر الإنجليزي الرومانسي "جون كيتس" الذي لم يعش أكثر من ستة وعشرين عاما ولم يمارس كتابة الشعر الا خمسة اعوام.
ولد جون كيتس عام 1795 في عائلة فقيرة جدا في لندن وأصيب بمرض السل باكرا وهو المرض الذي أودي بحياته عام 1821. وقد اعجب بالاغريق وحياهم بصفتهم ملهميه.
لم يحظ في حياته الا بالتجاهل والاحتقار من قبل النقاد والشعراء الآخرين، مات أبوه وعمره ثماني سنوات فقط، وهجرت أمه المنزل وتزوجت بعد شهرين فقط من موت زوجها ثم عادت إلى البيت بعد ست سنوات لكي تموت هي أيضا! وهكذا أصبح كيتس حساسا جدا بل والى حد المرض كما يقول العارفون به.

ولم يعد يثق بالحياة ونوائبها، وأصبح يعاني من القلق الوجودي. وما كان يجد امامه الا الكلمات كعزاء. على هذا النحو أصبح كيتس شاعرا غصبا عنه.

وفي قصيدة له بعنوان "كفاكَ دمعاً ونحيب" ترجمة حسن حجازى يقول:



كفاك َ دمعاً ونحيب ْ

بالله يكفى


فالوردُ سيزهرُ في العام القادم ْ


إن كنت َ تدرى


كفاك َ بكاء ً وعويل ْ


بالله يكفى


فالبراعم ُ الصغيرة ُُ نائمة ٌ


في قلبِ الجذرِ الفضى


تحلم ُ بربيع ٍ وردى


جفف دموعك جففها


لأنى تعلمت ُ في الجنة


شدوَ نغمى الشجى


الذي يخفف ُ حزنَ الإنسان


كفاك َ دموعا ً ونحيب


بالله يكفى !


أنظر هناك َ ترانى


على الغصن ِ الأبيض


على الغصن ِ الأحمر


أنظر أعلى لترانى


على الفرع ِ المثمر


تتراقصُ ألحانى


منظومة من سحرِ بيانى


تخفف ُ حزنَ الإنسان ْ


كفاك َ دمعا ً ونحيب


بالله يكفى


فالوردُ سيزهرُ في العام ِ القادم


إن كنت َ تدرى


احلق ُ بعيداً بعيد ْ


وداعاً وداع ْ


أتوارى في السحبِ الزرقاء


وداعاً وداعْ !


ألم يعتصر القلب




لقد أحب جون كيتس امرأة تدعى "فاني براون" تغنى بها في قصائد مؤلمة، وزيادة على ذلك فقد انهال عليه النقاد شتيمة واستهزاء وكان من الممكن ان يقتلوا رغبة الشعر فيه. ولكن نقدهم قوى عزيمته مثلما فعلت المصائب والمحن.



وظل يكتب الشعر يقول في قصيدة طويلة بعنوان "نشيد إلى الخريف"



فصل الضباب والعذوبة الوافرة
أخ الشمس التي تصفر كالذهب

يتآمر معها من أجل

اثقال شجرة الكرامة

بالعناقيد التي تنتشر على ظهر العرائش

من اجل ان تنحني اغصان شجرة التفاح

حول البيوت الريفية المحاطة بالطلمب.

لكي تنضج جميع الثمار حتى العظم...

ثم يقول فيما بعد
أين هي أغاني الربيع أين هي؟

وأسفاه اين هي؟

لا تفكر بها بعد الآن

فأنت لك أيضا تناغمك،
هذا في حين ان الغيوم المخططة

تلون الانحدار المتدرج للنهار

وتلون بشيء من الحمرة الوردية أرياف السهول

وعندئذ تسمع في جوقة واحدة اصوات الذبابات الصغيرة

وهي تتباكى حول صفصاف النهر تصعد في الجو

أو تنزل بحسب تقلبات النسمات الخفيفة التي تهب أو تموت.




كان كيتس - كما جاء بكتاب "قصائد جون كيتس" للبروفيسور جون ستراسشان أستاذ الأدب الإنجليزي - شديد الاحساس بمآسي العالم وبؤس الوضع البشري كيف لا وهو الذي عاش حياته القصيرة في المآسي والفواجع ولم يستطع ان يتزوج المرأة التي أحبها حتى درجة الجنون بسبب مرضه؟ لقد حرمت الحياة كيتس من كل شيء ما عدا شيئا واحدا هو الشعر ولذلك فإن الناقد الإنجليزي ماثيو أرنولد قال عنه انه مع شكسبير في الصف الأول من الشعراء!




في عام 1819 ينشر كيتس قصيدته الرائعة "المرأة الجميلة بلا شفقة" وفيها يتحسر على المرأة التي احبها والتي لا يستطيع ان يتزوجها، ويقول فيها:



"ايتها النجمة الساطعة، هل استطيع ان اثبت مثلك في مدار واستريح؟!"

ومن رسائله لها نذكر:


هذه اللحظة أحاول تذكر أبيات شعر لكن من دون جدوي، عليّ ان اكتب لك سطراً أو اثنين لأحاول أن كان ممكنا اقصاءك عن ذهني، لكنني في أعماق روحي لا استطيع ان افكر بأي شيء آخر.
انتهي الوقت الذي كان لي فيه من القوة الكافية التي تمكنني من نُصحك وتحذيرك من الصباح الخالي من الوعود لحياتي، فحبي جعلني ذاتيا. انا لا استطيع ان اوجد من دونك، انا مهمل لكل شيء عدا رؤيتك. ويبدو ان حياتي تقف عند ذلك، انا لا استطيع ان أري ابعد من ذلك.
انت تشربتني، لدي احاسيس كأنني في طور الذوبان، سأكون في غاية البؤس من دون الأمل في رؤيتك قريبا. سأكون شديد الخوف إذا فصلت نفسي بعيدا عنك. هل قلبك لن يتغير أبداً؟ بالنسبة لي ليس هناك أي حدود لحبي لك.. والي الابد...جون كيتس




ولما عرف انه سيموت قرر ان يسافر مع اصدقائه نحو البحر الأبيض المتوسط إلى روما فلم يشأ ان يموت بدون أن يرى شمس الجنوب وايطاليا. وهناك في روما وافته المنية فطلب منهم ان يكتبوا على قبره العبارة التالية: "هنا يرقد إنسان كتب اسمه على الماء".

والآن أصبح المنزل الذي مات فيه متحفا يدعى متحف كيتس ـ شيلي ويزوره الناس الذين يحبون الشعر أو يعرفون معنى الشعر وعندما سمع صديقه شيلي بموته جن جنونه وكتب أجمل مرئية يمكن ان يكتبها شاعر لشاعر آخر ولم يلبث شيلي ان مات طالبا منهم ان يدفنوه إلى جانب كيتس أو في نفس المقرة على الاقل.

ومن قصائده نذكر:

على امتداد الكلمات..

تزفرُ المعابد دخانها ممتزجاً

بصلوات الزمن الإنجليزي.

فيما العيون الهزيلة أحواضٌ

يغمرها

الجليدُ.


على مقربةٍ منها،


يزحفُ

الموتُ


مصحوباً

بجرذانه الملطخة بثياب الجنازة.

أي حبّ كان هناك..

ليندفع صخرة حمقاء باتجاه

فاني براون

لا..

ليس إلا القصيدة تشق الضباب

كعربة دفن الموتى.


وهناك..


أي في الجزء القاحل من الريح،


يسقط الليل من نوتة العقل،


جملة موسيقية ترتج بالنحيب

اللانهائي.

ومع اهتزاز المصابيح،


لا تنكسرُ زجاجةُ النفس خلف

النافذة.


فيما الرأس كورال أعمى،


يتهاوى من على المنصة.


يا له من وقت..


على أكتافه تصنعُ الرغباتُ أساطيرها

وكنتَ تعرف ذلك وتغني مثل قطرة مطر


في صحراء.


لندن.. الممددة إلى ما وراء العين.


لندن المرأة المسلحة بقبلة العنكبوت.


كلاكما كان تحت الجلد ذاك،


يتنقح


بفتنة


الكسوف.



 

"الجمال هو الحقيقه، والحقيقه هي الجمال، هذا كل ماتحتاج إلى معرفته على الأرض". جون كيتس

 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق